هذا ما تؤكده الشمعة السابعة يا سيدتي، شمعة رصاصة الرحمة التي انطلقت من مسدس حميد!! فقالت سيدة الفنتازيا: ومن الذي أطلق الرصاصة؟! وبينما كان عارف يشعل الشمعة السابعة مضى يقول:
يقول حميد في صباح اليوم التالي ونحن في الظل تحت شجرة الجوز: أنا لا أرتاح لسعدو، إنه بين المزح والضحك تهددني كما رأيت.
[size=12]وكان حميد فطناً يعرف كيف يتعامل مع الآلات والأدوات، لأن أباه يملك مصنعاً صغيراً للنسيج، فيه أنوال يدوية وأخرى آلية، وكثيراً ما كان يدهشنا بابتكارات آلية.
[size=12]فسألت المجذوبة: ألم يكن ابن عمه قد خرّ صريعاً في مقاتلة في الحارة، وأرداه أبو عكرمة قتيلاً؟؟
[size=12]فقال عارف: نعم.. نعم. خرج هذا الأخير من السجن بعد أن قضى فيه مدة بسيطة بحجة أن القاضي لم يستطع أن يعيّن القاتل. وضاعت الطاسة بين أشخاص كثيرين اشتركوا في المقاتلة.
[size=12]وحين خرج أبو عكرمة من الحبس طليقاً يتميدن في الحارة يغطيه قرار القاضي، كان آل حميد يحسون بالعار، ويعبرون عن إحساسهم أمام أبنائهم، كأنما هم يحرضونهم على القتل أو أخذ الثأر.
[size=12]وحقيقة الأمر أنهم كانوا يحتجون على عدالة ناقصة كهذه، تقبض على القتيل ويفر منها القاتل.
[size=12]حميد لا يخفي شعوره وحزنه الذي لم يتحول إلى غضب على ذهاب دم ابن عمه هدراً. فاشترى مسدساً منكلاً عتيقاً أبو طاحونة. وأخذ يتمرن عليه في ساحة العسكرية آناً إذا خلت من الطارقين، وآونة في المقابر التي تنتشر في أطراف الحارة. وكان يقول وهو يتمرن على تسديد الإطلاق: ثأرك مزدوج يا حميد من المجرم القاتل والمعتدي الغاشم الذي يحتل الأرض والعرض. لم يعد يتحمل حميد مصروف الرصاص كل يوم. الرصاص غالٍ على خرجيته المحدودة التي يتلقاها من أبيه.
[size=12]فصب قالباً من الجبصين طرياً، وحفر فيه قوالب ثلاث رصاصات بأن وضعها فيه وهو طري، ونشره في الشمس حتى جف. تطل منه الفوهات الثلاث بحجم الرصاصات. واشترى من المهربين وتجار السلاح شيئاً من البارود والكبسول.. كما اشترى من عند الحدادين أو تجار الخردة شيئاً من معدن الرصاص، وعوضاً عن أن يشتري رصاصاً جاهزاً ليتمرن على إطلاقه من مسدسه الأثير.. أخذ يوفر الرصاصات الفارغة بعد إطلاق المسدس، ويملؤها بالبارود ويزودها (بالكبسونة) أو الكبسولة، ويصب الرصاص بعد أن يحميه في القالب ويركبه في الرصاصات الفارغة. ويتمرن يوماً بعد يوم على التسديد بقدر ما تتحمل خزانته من تكاليف.
[size=12]كان يتمرن كل أسبوع مرة، فأصبح يتمرن كل يوم. فالرصاص لم يعد يكلفه غالياً كما كان من قبل. إنه يشتري المواد الأولية ويصنع الرصاص. إنه يصنع ذخيرته بيده.
[size=12]كم من مفاجآت في هذه الدنيا.. طاب الجرح الذي كان يحمله ساعدي، وعدنا إلى السباحة في ساحة العسكرية كما كنا من قبل.. غير أن سعدو صار يصحبنا بوجه أزور وعيون مائلة.. لم أعبأ بالأمر، لكن حميد كثيراً ما كان يحذرني من عبوس سعدو!!
[size=12]ويقول: نسيت طعنة الشبرية، لم ينسَ سعدو حادثة أبي رياح ودفعك إياه في ماء النهر. حقرت ذكاءه ونمرت عليه، وهو حمال الضغائن، فاحذر.
[size=12]قلت: أعلى ما في خيله يركبه..
[size=12]خرجنا ذات مرة من النهر في ظهيرة نفضنا فيها ثياب القيظ. وكان حميد حين يسبح، يأخذ المسدس من زناره ويخبئه تحت ثيابه.
[size=12]خرج وسعدو قبلنا، وحين استكمل ارتداء ثيابه، لاحظ انعكاس بريق الشمس على معدن المسدس، فأخذه بيده قبل أن يدركه حميد.. وأخذ يصوبه إلى الفضاء.. خرجنا من الماء، ارتدينا ثيابنا. فقال سعدو بين الضحك والجد: حانت ساعتكما.
[size=12]ووجه المسدس مرةً صوبي، ومرة صوب حميد!! قائلاً جعلتماني سخرية في عين الحارة!! وكل شيء بثمن.
[size=12]ـ حميد: باطل على الرجال يا سعدو. أتغدر بأصحابك؟!
[size=12]فتلطيت أنا بشجرة الجوز، وتلطى حميد بالشجرة الأخرى. وسعدو يريد أن يحفظ ماء وجهه. إنه يفكر بالغدر.
[size=12]لم أصدق أنه سوف يطلق النار، لأننا إذا صح التعبير أطلقنا عليه الماء ودفعناه في النهر، فهل يطلق علينا النار ويدفعنا إلى الموت من أجل أن يلعب لعبة الثأر؟!
[size=12]كثيراً ما يندفع سعدو وراء رغباته، دون أن يفكر في العواقب.. وهو يجيد التهرب من المسؤولية، ويتسلى بالناس. يسرق الدجاج، ويوقع الآخرين في السياج.
[size=12]دار حول حميد، فتفاداه وغاب من مدى رؤيته وراء شجرة الجوز الضخمة. فعاد إلي بغتة، وقال: أريد أن أعلم عليك، كما علمت علي. فدرت حول شجرة الجوز الأخرى وأنا أقول: لم تجف علامة الشبرية بعد؟!
[size=12]تلك لا تكفي. جف الدم. فلابد م الثأر. وأدركني من وراء ظهري وسدد المسدس نحو مؤخرتي وكبس الزناد مطلقاً النار.. وحين انفجر الصوت كنت أحاول أن أتلطى بجذع شجرة الجوز. فقلت: يا ستّار.
[size=12]تلمّست أردافي وظهري وكتفي وصدري. ما من دم يسيل، ما من جرح. تلفت ونظرت إلى حميد.. كان أيضاً سالماً وما من إصابة!!
[size=12]استدرت صوب سعدو، فإذا بوجهه مسوداً من دخان البارود، بارود الرصاصة التي انطلقت.. نعم انطلقت الرصاصة التي انطلقت.. نعم انطلقت الرصاصة حين كبس سعدو الزناد مسدداً المسدس صوبي. إلا أن الرصاصة علقت في بوز المسدس فارتشم البارود الملتهب بدخانه الكثيف على وجه سعدو فأعمى بصره وفاجأ بصيرته.
[size=12]ركض حميد صوبه، وفاجأه، وكتفه من الخلف. فهجمت أنا عليه وجردته من المسدس وأعطيته لحميد.
[size=12]وبعد أن تفحصنا المسدس، وجدنا الرصاصة عالقة في سبطانة المسدس، أي في بوزه.
[size=12]وتعليل الأمر أن القالب الذي صبه حميد من الجبصين، توسعت فراغات الرصاصات فيه من كثرة ما استخدم. فكبر حجم الرصاصات التي يصبها حميد، ليصنع رصاصه من أجل التمرين. وصار حجم الرصاص أكبر من فوهة المسدس. مما جعلها تعلق في الفوهة عندما أطلقها سعدو فأنجو من العطب، أو الموت. ويخزي الله الشرير الذي أصبح الأذى من طبعه!!
[size=12]فقالت سيدة الفنتازيا: لكن الرصاصة ما تزال تدوي في مخيلتك، صحيح أنها لم تصب منك مقتلاً. لكن أثرها ما يزال في النفس.
[size=12]فقال عارف: إلاَّ أن الحلم غسل هذا الأثر.
[size=12]فقالت المجذوبة: لماذا لا تقصّ عليها حلم الغراب؟! أنت تذكرها أكثر مني. تبدؤها أنت أو أبدأها أنا؟!
[size=12]فقال عارف: الغراب هو الشمعة الثامنة. ولكن ليستمر طقس اكتمال دورة الجسد الذي يتشكل من الذاكرة دعوني أضيء الشمعة الثامنة.
[size=12]تذكّرني بذلك المجذوبة، لكنّي لست متأكّداً، هل كان حلماً أم يقظة؟ كان حقيقة صار حلماً، أو حلماً صار حقيقة!![/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]