وقف أمام باب بيته يدخن سيجارته التي اعتاد أن يدخنها كل مساء ...ثم فكر قليلا تراه أين يمكنه أن يذهب ؟..فالليل يكاد يبسط ستائره على المدينة ولن يجد هناك غير السكارى والمجانين...حتى المقاهي ستقفل أبوبها لأن البرد قارس والسماء مغيمة ولا يمكن أن يفكر أحد أن يتوجه إلى المقهى في جو مثل هذا ..فكر قليلا وهو يداعب سيجارته التي يقلبها بأنامل أصابعه ...سأذهب لقضاء الليلة عند صديقي ..ثم ينزع هذه الفكرة من رأسه..صديقي ثرثار ولن يتركني حتى يأخذ مني كل صغيرة وكبيرة ..ثم فكر قليلا يجب أن أدخل البيت ولكنه سئم النظر إلى زوجته المريضة التي لا تكف عن الشكوى ..وفجأة أتت فكرة جهنمية في رأسه أعانته فيها نفسه الأمارة وشيطانه اللعين على تنفيذها فلم يشعر إلا وهو ينفذها دون تفكير..الذهاب إلى الحانة ليشرب قنينة أوإثنتين لعله ينسى بعض همومه وأحزانه الجاثمة فوق صدره بعد أن طرد من العمل لغيابه المستمر...لقد نسي عهده الذي أعطاه لوالدته منذ نصف عام تقريبا وهي تترجاه أن يترك معاقرة الخمور ومصاحبة أصحاب السوء ..فرضخ أمام دموعها وتوسلاتها ولم يعد إلى الشرب منذ ذلك اليوم..ولكن الوحدة تجلب الشيطان كما يقال وقنينة الخمر تغلبت على توسلات والدته لقد نسي وصية إمام المسجد وهو يلقنه أركان الإسلام وكيفية الصلاة أمام الجموع فشعر أنه يولد لأول مرة ..فلم يفق إلا ونفسه تجذبه وتجره جرا نحو الحانة المجاورة.
وهو متوجه نحو الحانة في طريق خال من المارة تحت رذاذ المطر ومارد الشر يتصارع مع الخير في جوانح نفسه..فيتوقف عندا تتغلب نزعة الخير في نفسه ويعزم على الرجوع ثم يواصل سيره نحو الحانة عندما تتغلب نزعة الشر في نفسه ...وبينما هو يسير سمع صوت ارتطام قوي فأدار بصره نحوه...يا هول ما رأى ...سيارة ترتطم بعمود اسمنتي فتشتعل النيران فيها من كل جهة..لم يشعر إلا وهو يسرع نحوها لينقذ ما يمكن إنقاذه ...وصل إلى السيارة فتح بابها ..رائحة الخمر تملأها ..شابين في الداخل وقد فقدا وعيهما والدماء تنزف منهما أخرج السائق لفظ أنفاسه ..أسرع نحو الثاني ليخرجه إنه في اللحظات الأخيرة وملك الموت باسط أجنحته عليه ..أخذ يلقنه الشهادة...قل لا إلاه إلا الله..قل لا إلاه إلا الله...فكان الشاب يغني ويضحك ورائحة الخمر تخرج من فمه لا فائدة فخمرة الحياة قد أنسته سكرة الموت..كان المنظر مذهلا.. شابان يلفظان أنفاسهما وهما ثملان..الدهشة تملأ قلبه والرعب يخالطها..وصلت سيارة الإسعاف غطيا الشابين بغطائين أبيضين معلنين فراق الروح للجسد
وأخيرا تغلبت نزعة الخير على نزعة الشر عنده بالضربة القاضية بعد أن رأى هذا المشهد..أخيرا تذكر وصية والدته وتوسلاتها..نزعت سكرة الموت قنينة الخمر من ورأسه إلى الأبد ..غلبت موعضة الموت وصية الإمام ..كانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحا أراد التوجه نحو البيت ولكن هول الصدمة جعله يتوجه نحو المسجد لينتظر صلاة الفجر ويعلن توبته من جديد